يحتوي هذا الكتاب على مقالات شربل بعيني ـ الجزء الثاني التي نشرها في مجلة إيلاف، وموقعي دروب وقدموس

مهرجان العراقية


مجدُ أمسي.. هل سينساهُ غدي

ليس ينسى الهجرُ ما أعطت يدي

أصحابَ السيادة والسعادة.. أيها الحفل الكريم..

   نِعَمٌ كثيرةٌ مَنَّ اللهُ بها عليّ لَمْ تُساوِ بمُجملِها زيارتي للعراق..

   فلقد دُعيتُ عام 1987 للمشاركةِ بمِهْرَجانِ المربد الشعري الثامن.. 

   فهل من نعمةٍ توازي نعمةَ معانقةِ العراق؟

   هل من نعمةٍ توازي أجملَ قبلةٍ طبعْتُها في حياتي يومَ قبّلتُ ثَرى العراق؟

   وصدّقوني أن الهموم التي تراكمت عليّ في غربتي قد محتْ ذِكرياتٍ كثيرةً وعجِزتْ عن محوِ ذِكْرياتي في العراق.

فبعدَ رُبْعِ قرْنٍ من تلك الزيارةِ ما زلتُ أسمَعُ وقعَ خُطُواتي في شوارعِ بغداد والموصل والبصرة وبابل وكلِّ كلِّ زاويةٍ من زوايا العراق.

   عام 1987 تمكّن العراقُ من فكِّ قُيودِ غربتي، وإطلاقِ سراحي، وإعلاني، على مسمع الأمم، إبناً له. لماذا؟ لأنني ما مدحتُ سوى العراق، وما قبضت أجراً سوى محبّةِ أهل العراق.

   يومَها، كان لُبنانُ ينزِفُ، وكان نزيفُه يدمي العراق:

لُبنانُ، يا بَغْدادُ، كَمْ سَنَةٍ

يَقْتاتُ مِنْ أَكْبادِهِ الأَلَمُ

هَلْ يَنْتَهي الإنسانُ في وَطَنٍ

كانَتْ تُناغي أَرْضَهُ الْقِيَمُ

أَعْداؤهُ الأَوغادُ هَمُّهُمُ

أَن يُسكِرَ المُسْتَنقعاتِ دَمُ

أَوصافُهُمْ، إن شِئْتِ، أَكْتُبُها

كَيْ تَعْلَمي كَمْ يَخْجَلُ الْقَلَمُ

   هكذا ناجيتُ بغداد، فأحسست أن لبنانَ والعراقَ يبكيان لبكائي.. فقرّرتُ أن أغني لهما من على مسرح قاعة الرشيد أغنيةً شعبيّةً بثّها التلفزيون العراقي بعد كلّ نشرة أخبار ولمدّةِ أسبوعٍ كامل:

هيهات يا بو الزلف

عيني يا موليّا

بغداد هيي القلب

ولبنان عينيّا

   وها هو العراقُ يا وطني، ها هو الاعلامُ العراقيُّ المجسّدُ بمؤسسة العراقية للإعلام والثقافة، وها هو المخرجُ والشاعرُ والصديقُ موفّق ساوا وأسرةُ صحيفتِه الغراء، يمدّون يدَ التكريم لي، يمسحون الغبارَ عن وجهيَ المهجَّرِ، ويهمسون في أذني: لا تخف.. فغربتُكَ غربتُنا، وألمُكَ أَلَمُنا، وأَدَبُكَ أدبُنا.. فساعدني كي يأتِيَ الشكرُ بحجمِ جبالِك.. بنصاعَةِ ثُلُوجِك.. بصَفاءِ مياهِكْ.. وبطيبَةِ شعبِك، وإلاّ سأصمُت، وما عوّدتَني على الصمتِ يا وطني. 

   أيّها العراقيون الأحرار، ألفُ شكرٍ لكُم. 

يوم تكريمي من قبل جريدة العراقية عام 2012

**