يقول المثل "ومن الشر ما نفع"، وهذا ما فعلته الحرب اللبنانية اللعينة حين شردت خيرة شباب الوطن، ورمت بالمبدعين والمبدعات في أتون غربة لا ترحم. صحيح أننا نعيش في استراليا بأمان وسلام، وننعم بالدولار الذي يركع له معظم حكامنا الجبناء، ولكن سلام الروح مفقود تماماً، فالحنين الى الوطن يكوي أفئدتنا كل إشراقة شمس.
تصور أن المواطن الاسترالي الأصلي لا ينتمي الى قرية أينما سكن، بل يقول أنا استرالي وكفى، بينما نحن فيوجد عندنا أكثر من ألف جمعية قروية، وتجد أن اللحمة بين أبناء القرية اللبنانية متينة جداً رغم الاغتراب لدرجة أنهم يتجمعون في منطقة واحدة أينما حلّوا، بينما هي غير موجودة بتاتاً بين الاستراليين، حيث الجيرة مفقودة، والتواصل الاجتماعي معدوم تماماً.
فمثلا، نقول نحن: الفيلسوف جبران خليل جبران من بشري، بينما يقول الأستراليون: الشاعر هنري لووسون من أستراليا، وليس من القرية التي ولد بها.
نحن في أستراليا ننعم بنخبة جيدة من شعراء وأدباء قرانا اللبنانية، واسمح لي بهذا التعبير لأن هذه هي الحقيقة، فإذا مات أحدنا وكان محظوظاً، يقام له تمثال في قريته، وليس في أي مكان آخر من لبنان، وهذا عيب.. أجل عيب.
أما عن أبرز الأعلام الأدبية هنا، فالجميع بارزون والحمد لله، وقد نشرت كتب في أستراليا أكثر مما نشر في كافة المغتربات على مر التاريخ، فتأسست من جراء ذلك أول مكتبة إغترابية في قنصلية لبنان العامة في سيدني، بأمر من الوزير جبران باسيل، وبطلب من الدكتورة بهية ابو حمد، رئيسة جمعية انماء الشعر، بناء على رسالة وجهتها أنا إليها وللوزير باسيل.
عددنا كبير جداً، ولذلك لن أسمي أحداً كي لا أقع بما وقع به العديد من قبلي، فالنسيان بدأ يتغلغل الى عقلي، وأخاف أن أنسى إسماً واحداً قد يعكر صفو أيامي.
ولكني سأتكلم عن المضمون الأدبي والتحولات التي طرأت على قضايانا الأدبية بعد أن يئسنا من العودة الى الوطن، وبدأنا بشراء قبورنا في مقابر أسترالية قريبة من سكن الأهل كي لا ننأى عن الوطن والأهل دفعة واحدة، وهذا مؤلم جداً.
بادىء ذي بدء، كنا نكتب عن القرية التي هجرناها، عن الحور والشربين والسنديان والنبع والساقية، ثم انتقلنا بسبب الأحداث الى التغني بالوطن، والمناداة بالعيش المشترك، ومحاربة الطائفية، والزعامات اللئيمة، والدعوة الى بناء الوطن الديمقراطي المدني الحر الذي يكفل حقوق مواطنيه بغض النظر عن الانتساب الطائفي، أو العشائري، وما شابه. لبنان وطن الجميع، كما هي أستراليا وطن الجميع.
وما أن انتهت الحرب حتى بتنا نتغنى بأستراليا، الأم التي أعطتنا ما عجز عنه لبنان وللأسف، ثم انتقلنا الى الحب، والتغني بالقدود المياسة، والعيون الكحيلة، والشفاه التي تقطر عسلاً. ولكن، وفي كل ما أنتجنا، كانت القضية الفلسطينة، والتشرذم العربي المخيف، والارهاب اللعين، محور كل لقاء أو أمسية.
سيرتي الأدبية مهما اختصرتها تبقى طويلة جداً جداً، فلقد نشرت أكثر من خمسين كتاباً، ترجم الكثير منها الى لغات مختلفة، وكتبت عني عشرات الكتب، كما ألفت وأخرجت أكثر من 14 مسرحية للأطفال المغتربين، بالإمكان مشاهدتها من خلال "اليوتوب". ناهيك عن الكتب المدرسية التي ألفتها بناء على طلب وزارة الثقافة والتعليم في ولاية نيو ساوث ويلز لتدرس في المدارس الأسترالية التي أدخلت اللغة العربية الى برامجها.
هذا كل شيء باختصار، وأشكرك يا أخي حسن علوش على اهتمامك بي وبأدبنا المهجري.
**